وهم الخبرة- استشارات أجنبية تستنزف ميزانياتنا وتُهمّش عقولنا.
المؤلف: وفاء الرشيد09.16.2025

في عالم الإدارة المعاصر، أضحت شركات الاستشارات الإدارية تلعب دورًا محوريًا، إذ تتبوأ مكانة الصدارة كمزودين لحلول جاهزة، يُفترض فيها أن تحمل طابعًا سحريًا وقدرة فائقة على حل المشكلات. بيد أن الحقيقة، في أغلب الأحيان، تتجلى بصورة مغايرة تمامًا. فبدلًا من أن تقدم هذه الشركات المعرفة المتعمقة والخبرات الأصيلة، فإنها غالبًا ما تروج لوهم الخبرة الزائفة وأسطورة الإنقاذ الإداري الوهمي.
تقتحم هذه المؤسسات الشركات بخطابات طنانة وتقارير مزخرفة ومنمقة، ثم ما تلبث أن تغادرها بعد استنزاف ميزانياتها الضخمة دون أن تقدم قيمة مضافة مستدامة أو حلولًا فعالة على أرض الواقع.
ولعل أبرز الإشكاليات التي تتجلى على نحو متكرر يكمن في جهل هذه الشركات العميق بطبيعة الدولة المضيفة، والتركيبة الاجتماعية المعقدة، والثقافة المحلية الراسخة. فهي غالبًا ما تستورد نماذج جاهزة، معظمها مستقاة من الغرب، وتطبقها دون إجراء دراسة متأنية للواقع المحلي ومتطلباته واحتياجاته الفريدة. والأدهى من ذلك، هو ترك القرارات الإدارية المصيرية في يد مستشارين أجانب ينتمون إلى جنسيات بعينها تحتل مكانة مرموقة في هذا المجال، وعلى رأسها الجنسيات الأمريكية والبريطانية والهندية، وفي بعض الأحيان العربية كالجنسية (اللبنانية والمصرية). وغالبًا ما يتعامل هؤلاء المستشارون مع المؤسسات السعودية والخليجية بعقلية "النماذج الجاهزة" دون بذل أدنى جهد حقيقي لفهم السياقات المجتمعية المتنوعة والتحديات الداخلية المتراكمة.
وعلى الرغم من انكشاف حقيقة هذه الشركات وتكرار إخفاقها في تقديم حلول تتواءم مع الواقع الملموس، إلا أنها لا تزال تحصد العقود المليئة بالأرقام الفلكية. فما السبب وراء ذلك؟ يكمن السبب في أن هذه الشركات تُعتبر في نظر بعض المسؤولين "علامة تجارية فاخرة" لا يُسأل صاحب القرار عن مدى جدواها، بل يُكافأ على تعاقده معها. وكأن اسم الشركة الاستشارية قد أصبح أغلى من عقل الوطن وأهم من صوت الخبراء المحليين، أو لتكون هي بمثابة جدار الأمان الواقي بينه وبين المسؤول الأهم.
وهنا يتوحد صوت المواطن والخبير السعودي ليصدح قائلًا: نحن نمتلك من العقول النيرة والخبرات المتراكمة ما يكفي لبناء الحلول المبتكرة من الداخل، وليس من مكاتب باردة تقع في مدن بعيدة لا تشبهنا. لقد اكتفينا من استيراد الأوهام، وحان الوقت لتمكين العقول والكفاءات المحلية، ومحاسبة كل من يتعامل مع الوطن الغالي وكأنه مجرد مختبر لتجارب الآخرين.
هذا التوجه السائد يخلق فجوة عميقة بين التوصيات المقدمة والواقع المعاش، ويؤدي في نهاية المطاف إلى تنفيذ خطط واستراتيجيات لا تتماشى مع البنية الأساسية للمجتمع وقيمه الأصيلة، فضلًا عن عدم توافقها مع الثقافة التنظيمية السائدة. وللأسف الشديد، تتحمل الشركات المحلية التبعات المالية والمعنوية المترتبة على هذا الفشل الذريع، فيما تنسحب الشركات الاستشارية من المشهد دون أدنى شعور بالمسؤولية.
لقد آن الأوان لتدرك المؤسسات والشركات أن الاستشارات الحقيقية تبدأ من الداخل، وأن القرارات الاستراتيجية الحاسمة يجب ألا تُسلَّم بالكامل لأشخاص لا يعرفون الأرض التي يمشون عليها، مهما بدوا لامعين وبراقة. فالحل الأمثل لا يكمن في استيراد الأفكار والحلول الجاهزة، بل في بناء القدرات الداخلية وتطويرها باستمرار، والاعتماد على استشارات داعمة لا استنزافية.
الشركات الناجحة لا تستخدم المستشارين كعكاز تتكئ عليه، أو كجدار تختبئ من خلفه، بل تستثمرهم كأداة قيمة تساعدها على الوقوف بثبات على أرض الواقع. أما الشركات التي تُسلم زمام قرارها لمن لا يفهم طبيعة أرضها وتحدياتها، فإنها تحكم على نفسها مسبقًا بالضعف والتبعية، وقد يكون ذلك نوعًا من أنواع الفساد الخفي.
تقتحم هذه المؤسسات الشركات بخطابات طنانة وتقارير مزخرفة ومنمقة، ثم ما تلبث أن تغادرها بعد استنزاف ميزانياتها الضخمة دون أن تقدم قيمة مضافة مستدامة أو حلولًا فعالة على أرض الواقع.
ولعل أبرز الإشكاليات التي تتجلى على نحو متكرر يكمن في جهل هذه الشركات العميق بطبيعة الدولة المضيفة، والتركيبة الاجتماعية المعقدة، والثقافة المحلية الراسخة. فهي غالبًا ما تستورد نماذج جاهزة، معظمها مستقاة من الغرب، وتطبقها دون إجراء دراسة متأنية للواقع المحلي ومتطلباته واحتياجاته الفريدة. والأدهى من ذلك، هو ترك القرارات الإدارية المصيرية في يد مستشارين أجانب ينتمون إلى جنسيات بعينها تحتل مكانة مرموقة في هذا المجال، وعلى رأسها الجنسيات الأمريكية والبريطانية والهندية، وفي بعض الأحيان العربية كالجنسية (اللبنانية والمصرية). وغالبًا ما يتعامل هؤلاء المستشارون مع المؤسسات السعودية والخليجية بعقلية "النماذج الجاهزة" دون بذل أدنى جهد حقيقي لفهم السياقات المجتمعية المتنوعة والتحديات الداخلية المتراكمة.
وعلى الرغم من انكشاف حقيقة هذه الشركات وتكرار إخفاقها في تقديم حلول تتواءم مع الواقع الملموس، إلا أنها لا تزال تحصد العقود المليئة بالأرقام الفلكية. فما السبب وراء ذلك؟ يكمن السبب في أن هذه الشركات تُعتبر في نظر بعض المسؤولين "علامة تجارية فاخرة" لا يُسأل صاحب القرار عن مدى جدواها، بل يُكافأ على تعاقده معها. وكأن اسم الشركة الاستشارية قد أصبح أغلى من عقل الوطن وأهم من صوت الخبراء المحليين، أو لتكون هي بمثابة جدار الأمان الواقي بينه وبين المسؤول الأهم.
وهنا يتوحد صوت المواطن والخبير السعودي ليصدح قائلًا: نحن نمتلك من العقول النيرة والخبرات المتراكمة ما يكفي لبناء الحلول المبتكرة من الداخل، وليس من مكاتب باردة تقع في مدن بعيدة لا تشبهنا. لقد اكتفينا من استيراد الأوهام، وحان الوقت لتمكين العقول والكفاءات المحلية، ومحاسبة كل من يتعامل مع الوطن الغالي وكأنه مجرد مختبر لتجارب الآخرين.
هذا التوجه السائد يخلق فجوة عميقة بين التوصيات المقدمة والواقع المعاش، ويؤدي في نهاية المطاف إلى تنفيذ خطط واستراتيجيات لا تتماشى مع البنية الأساسية للمجتمع وقيمه الأصيلة، فضلًا عن عدم توافقها مع الثقافة التنظيمية السائدة. وللأسف الشديد، تتحمل الشركات المحلية التبعات المالية والمعنوية المترتبة على هذا الفشل الذريع، فيما تنسحب الشركات الاستشارية من المشهد دون أدنى شعور بالمسؤولية.
لقد آن الأوان لتدرك المؤسسات والشركات أن الاستشارات الحقيقية تبدأ من الداخل، وأن القرارات الاستراتيجية الحاسمة يجب ألا تُسلَّم بالكامل لأشخاص لا يعرفون الأرض التي يمشون عليها، مهما بدوا لامعين وبراقة. فالحل الأمثل لا يكمن في استيراد الأفكار والحلول الجاهزة، بل في بناء القدرات الداخلية وتطويرها باستمرار، والاعتماد على استشارات داعمة لا استنزافية.
الشركات الناجحة لا تستخدم المستشارين كعكاز تتكئ عليه، أو كجدار تختبئ من خلفه، بل تستثمرهم كأداة قيمة تساعدها على الوقوف بثبات على أرض الواقع. أما الشركات التي تُسلم زمام قرارها لمن لا يفهم طبيعة أرضها وتحدياتها، فإنها تحكم على نفسها مسبقًا بالضعف والتبعية، وقد يكون ذلك نوعًا من أنواع الفساد الخفي.